د.منذر الحوارات يكتب…مابين كابل والرباط كثيرُُ من المحتفلين والشامتين

264

 

 

المرفأ….قد يكون مستغرباً هذا الربط لكن سرعان ماسيزول هذا الاستغراب اذا ما تبين لنا انه في كلا المكانين ثمة حدث كبير غير سيرورة الاموررأسًا على عقب ، فكابل كانت شاهداً على انهيار نموذج بينما في الرباط ولد نموذج شكك الكثيرون بصعوبة ولادته أو حتى في احتمالحدوثه ، ففي افغانستان قبل عشرين عاماً غزت الولايات المتحدة هذا البلد بعد تفجيرات برجي التجارة العالمية في ١١ ستمبر وكانت غايتهمواضحة القضاء على القاعدة وقتل اسامة بن لادن وتدمير خلايا المجاهدين العرب هناك ، وهذه الاهداف في جلّها تحققت خلال الثلاث أشهرالاولى ، لكن ما الذي ابقى الولايات المتحدة هناك كل هذا الوقت ؟ يبدو ان حلم الولايات المتحدة بإيجاد تجربة شبيهة بالتجربة اليابانية وذلكبإستحداث نموذج ديمقراطي يكون حليفاً للولايات المتحدة هو الذي دفعها لإستحداث هدف جديد في أفغانستان وهو بناء امة ديمقراطية منخلال بناء تحالفات تسهل إدارة الدولة الافغانية بحيث تتبع النظام الديمقراطي الغربي وفي نفس الوقت تضمن ولائها للولايات المتحدة وطبعاًذلك ما كان ليتم إلا بإستبعاد طرف اساسي ومهم اعني طالبان ، وقد ارتكبت الولايات المتحدة خطئين جوهريين الأول أن افغانستات تلكالبلاد القاحلة لا تشبه بأي حال من الاحوال اليابان التي كانت بلداً صناعياً كبيراً تميزت نخبه بالنضج والعقلانية إذ تمكنت بسرعة منإستيعاب الهزيمة وتحويل التحدي الأمريكي الى فرصة نهضت بها اليابان من جديد ، العنصر الثاني هو خطأالامريكان في إستيعابالمعادلة الأفغانية متعددة الاعراق والمذاهب ، وفي نفس الوقت متعدد الولاءات ، فالدين هنك ليس محصوراً في إطار العبادة بل هو في احوالعديدة يحاكي المكون الإثني ويعبر عنه ، لذلك بعد عقدين من الزمن وجدنا ان عناصر سوء الفهم الأمريكي كانت سبباً رئيسياً في إنهيارنموذج الديمقراطية المدفوع من الخارج .

لنعد الى المغرب وهناك بداءات الحياة السياسية تأخذ بعدها الحقيقي والجاد بعد احداث الربيع العربي ففي العام ٢٠١١ تعهد الملك محمدالسادس بعد نزول عشرات الآف من المغاربة الى الشارع بإجراء إصلاحات سياسية وإجتماعية وأخرى تطال القضاء وهذا ما حصل إذأُنيطت برئيس الوزراء الممثل للأغلبية البرلمانية صلاحيات تنفيذية كبيرة ، وفعلاً جرت الانتخابات على هذا الاساس وفاز بها حزب العدالةوالتنمية الاسلامي لدورتين متتاليتين ٢٠١١ ومن ثم ٢٠١٦ وشكل الحكومة على مدى عشر سنوات ، أعتقد الجميع ان الامر قد حُسم تماماًلمصلحة الاسلاميين على مدى العقود القادمة ولا مجال لإزاحتهم إلا بواسطة الجيش كما حصل في بلاد عربية اخرى ، لكن المغرب تفردبتجربته المستقلة والمنبثقة من وحي الحالة المغربيةإذ تحالفت القوى المعارضة للحزب وغير قواعد الانتخابات مما كان وبالاً على حزبالعدالة والتنمية ، لكن ليس هذا فقط ، فقد أثبتت الحالة المغربية أن اللعبة الديمقراطية إذا مورست على اصولها ستجعل اي حزب مهما كانتأيديولوجيته في مواجهة ألاستحقاق الاساسي وهو تحقيق مطالب مؤيدوه وهي نفسها المطالَب في اي مكان آخر في العالم الوظائف ،الصحة الأمن ، الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، كل هذه ستكون هي العناصر الأساسية في بقاء اي حزب او فشله في العمليةالسياسية ، وهذا ما حصل حينما فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق مطالب جماهيره فشل في العودة الى الحكم ، وواجه تصويتاً عقابياًدفعه الى ذيل القائمة على سلم النتائج ، وطبعاً رافق تلك الاسباب تخلي الحزب عن التزامات سابقة تجاه كيان الاحتلال .

خلاصة القول أن تجربة الدمقرطة المفروضة من الخارج أخفقت لأنها فشلت في قراءة واقع الشعب الأفغاني وتقسيماته العرقية والمذهبيةوأرادت تفرض نموذجاً لا يتماشى ابداً مع ذهنية ذلك البلد ، لذلك كانت النتيجة عودة أشد نماذج الحكم إنغلاقاً وتشدداً مما سيعيد البلد إلىمربع العنف والإحتراب الأهلي في دورة أخرى من المعاناة والتشرد ، لكن هذا النموذج الجديد وجد من يحتفل به ويشمت بأعدائه ، علىإعتبار أن ذلك عودة جديدة للصحوة الاسلامية .

أما في المغرب حيث تعايش التحول السياسي مع طبيعة المجتمع وموروثه الثقافي بل مع نكاياته السياسية ومؤامراتها وأستطاع أنيستوعبها في نموذج فريد من نوعه ، وجدنا حزباً إسلامياً يخسر السلطة ليس بواسطة الجيش هذه المرة بل بواسطة الصناديق ، وهذاالحدث لم يكن مستوعباً لدى الكثيرون لأن القناعة السائدة بأن الناس كانوا يصوتون للدين فقط وليس لمصالحهم أصبح شيئاً من الماضي بعد ما نسفته التجربة المغربية ، إذ أن التصويت المصلحي هو العنوان الاساس في اللعبة الديمقراطية ، طبعاً أحتفل الكثيرون بخسارة حزبالعدالة المغربي وأعتبروا أن ذلك بداية أفول الاسلاميين ، لكن يمكن قراءتها من جانب آخر بأن التجربة الحزبية تنضج بالتكرار وبإستمرارإستعمال الوسائل الديمقراطية ، ومن هنا اعتقد أن حزب التنمية قد يكون كسب وإن خسر ، فإن إنصياعة لنتائج الصندوق يعني شيئاً واحدهو أنه يؤمن بأن الصندوق هو الحكم الوحيد في صناعة المستقبل السياسي لأي حزب ، طبعاً بعد تكوّن هذه القناعة ستتحول الخطاباتالسياسية إلى أذونات صرف مؤجلة تحاكي مصالح الناخبين وليس مجرد إستعراضات بلاغية جوفاء ، ومن هذه النقطة تبدأ صناعةالمستقبل على أسس راسخة .

قد يعجبك ايضا