د.أبو عمارة يكتب : لِماذا لا يُعَطّل طَلبة المَدارِس في رَمضان ؟!

247

المرفأ…منذُ صِغَري وأنا أبحَثُ عن الأسباب التي وُجِدَت من أجلها القوانين التي ندرُسها وكنتُ أبحثُ دَوماً عن تطبيقاتِها الحياتية ، وأحياناً كنتُ أجِدُ الإجابة لِدى مُعلّمي وكَثيراً من الأحيان لَم أكُن أجِدُها ، وكانت وسائل البَحث عن المَعلومة سابِقاً مَحدودة وصعبة ولذلك لم أكُن أجِدُ ما يَشفي ظَمأ شَغفي بالبَحث عن الرَّبط ما بَين العِلم المُجرّد والحياة .

وعندما دخلتُ إلى الجامعة درستُ الرّياضيات ورُغماً عنّي عِشتُ في عالم المُجرّدات والتي كنت لا أكفّ بحثاً عن رَبطِها بالحياة وعن أسباب وُجود القواعد والمسلّمات والنظريات .

فأنا أؤمِنُ بالواقعية وبأنّ العلم ما وُجِد إلّا لتطوير الحياة لذلك كنتُ دَوماً أُنادي بتدريس الرياضيات الحياتيّة لِطلبة المَدارِس وأُعنى باختيار أمثلة ومسائل رياضيّة من حياة الطّلبة وواقعَهُم اليَومي الذي يعيشونَه حتى تكتسب الرّياضيات معناً لِدى الطلبة وتُصبِح علاقة الطالب معها علاقة وُديّة وليست علاقة كُره أو شُعور بعدم فائدة ما يَدرُس .

قبل يومين طُلِبَ منّي المُشاركة برأيي في برنامِج إذاعي حَول عُطلة الطّلبة في رَمضان وهل أنا مع الفِكرة أم ضدّها ؟! وعندما بحثتُ في هذا المَوضوع وجَدتُ أن 90% مِمَّن كَتبوا فيه حاربوا تلك العُطلة مُبررين ذلك بأنّ شهر رمضان شهر كباقي الشُّهور وهو شَهرُ خيرٍ وبَركة وعَطاء وشهرُ انتصارات إسلاميّة على مرّ التّاريخ لذلك يجب أن يزيد الجُهد فيه وليس أن نتراخى ونرتاح .
وقَد تبنيّتُ هذه الفِكرة لفترة طويلة ، ولكن وكَوني أميلُ إلى الواقعيّة في تناوُل القضايا أرسلتُ استبياناً بسيطاً وسَريعاً تضمّن سُؤال واحد فقط وهو : هل تُؤيد عُطلة طَلبة المَدارِس في رَمضان , ولِماذا ؟
لِمئة وخمسين شخص

وطلبتُ منهم الإجابة السَّريعة ، وحاولتُ أن تكون الفِئة المُختارة مُمَثّلة للمُجتمع كَكُل منهم التّاجر والأكاديمي والمُهَندِس وغيره …. من المِهَن والطّبقات من أصدِقاءَ لي وأولياء أُمور .

أجابَني خِلال ساعة ( 132 ) شخص والعَجيب أنّ ( 129 ) منهم أيّدوا العُطلة وبإصرار والحاح وشِدَّة !

ومِن زاوية أُخرى فأنا كمُدير مدارس أُلاحِظ أن نِسبة غياب الطَّلبة في رَمضان تزداد وبنِسبة كِبيرة جِداً ومُعظَم الطَّلبة يحضر إلى المدرسة بتَثاقُل شَديد ، وأنا هُنا لا أُناقش أنّ هذه التَّصرُفات صحيحة أم خاطِئة ولكنّها واقِع يِجب أن نَعتَرِفَ بِه ، فمُعظَم الطَّلبة يطيلون السّهر لدرجة أنّهم لا يستطيعون الحُضور للمدرسة بالمَوعِد وإن حَضروا فإنّهم – الحاضِر الغائب – وأمامَ هذا الواقِع الموجود – بغض النّظر إن كُنّا نُؤيده أم نرفُضه –
وُجِبَ أن يكون هُناك حلول لهذه المُشكِلة ، وأنا أقتَرِحُ هُنا حلًّا قد يكون وسَطيًّا ويحِلُّ هذه الإشكال بما لا يؤثّر على مَصلحة الطّلبة وعلى عدد أيّام الدّراسة أو التقويم المدرسي ،
وذلك بعمل عُطلة رَبيع أو اعتماد نِظام الفُصول الثّلاث كَما هو متَّبع في مُعظَم دُوَل العالم وفي دُول الخَليج العَربي ، فيتم تقسيم العُطَل السَّنوية إلى ثلاث عُطَل شتاء وصيف وربيع ويَتِم توقيت عُطلة الرّبيع مع أيام الشّهر الفضيل وللعلم فإن الأُردن كانت من الدُوَل السبّاقة في إقرار عُطلة الرَّبيع في الثَّمانينات لِما لَها من فوائد جَمَّة مِنها تَنشيط السّياحة وأيضاً شحذ الهمم للمُعلّمين وللطلبة وغيرُها من الفوائد ، ناهيك عن طول عُطلة الصَّيف التي تُقارب الأشهر الثّلاث والتي تُشكّل عِبئاً على أولياء الأمور ومللاً للطلبة .

وللعلم فإنّ فِكرة عُطلة الربيع قد طُرِحت عام 2019 في عهد معالي الدكتور وليد المعاني وكانت قريبة من التطبيق ولكن تغيير الوزير والذي عادة ما يتغيّر معه كلّ شيء ذهب بهذه الدّراسة كغيرها إلى مهب الريح ،
لِذا أتمنّى عند دِراسة أي قرار من قِبَل المسؤولين دراسته بواقعيّة ودراسة حال المَدارِس وواقِعَها ومِن ثُمّ اتخاذّ القرار بعيداً عن التّنظير وبعيداً عن المُثَل العُليا أو الثّقافة التي عاش بها صاحِب القَرار والتي تكون غير مُناسبة لثقافة طلَبة مدارِس اليَوم .بقلم د. محمد يوسف أبو عمارة

قد يعجبك ايضا