الحوارات يكتب: أمير قطر في الاردن.. أهي بداية للمصالحة ام تمحور جديد؟

380

المدار – كتب: د. منذر الحوارات

زيارة اردنية مرتقبة لأمير قطر، لا شك انها محملة بآمال واحتمالات، ولا تخلو من مخاوف من الانعكاسات التي قد تنتج عنها لاسيما انها جاءت بعد مخاض تجاوزت فيه كل الصعاب، سواء الإقليمية التي تشدها الى الخلف كي لا تحصل، او دولية عقبت نتائج ما عرف اقليماً بصفقة القرن والتي سوف تحمل انعكاسات مؤلمة على الدولة الاردنية والقضية الفلسطينية لو قُدر لها النجاح، فكلا البلدين ينظر من زاويته الى فرص قد تولدها هذه الزيارة، فالأردن الذي يعاني من ازمة اقتصادية خانقة نتيجة زيادة نسب الدين العام والعجز المزمن في ماليته العامة وتفاقم نسب الفقر والبطالة، فهو لأجل ذلك يبحث عن تنويع مصادر الدعم، خصوصاً ان دول الخليج العربي الاخرى خفضت حجم المساعدات وحولت الجزء الاكبر منها الى مشاريع بدل من السيولة النقدية المباشرة، هذا الشق الاقتصادي اردنياً، وعلى أهميته سيكون متواضعاً اذا ما قورن بالحاجة الاردنية الى حشد الدعم العربي والدولي لموقفه الرافض لأي حل تصفوي للقضية الفلسطينية يكون على حساب مستقبل الدولة الاردنية واستقرار أوضاعها، كما يرغب الاْردن بزيادة الدعم لوصايته على الأماكن المقدسة في مدينة القدس حيث تحاول اسرائيل افراغ هذه الوصاية من مضمونها، بل وجعلها عرضة للنقد بسبب التهم التي قد تنال الاْردن من تهمة التقصير، تلك بعض من القضايا الاستراتيجية التي ستكون في ذهن السياسي الأردني عند الجلوس على طاولة اللقاء.

اما قطرياً، فالأمر يتعلق بسياسة حددت معالم ومستقبل الدولة هناك وفق اعتبارات تضمن دوراً في الاقليم يتجاوز المساحة وعدد السكان معتمداً على سياسة ناعمة تمد اواصر علاقات ثقافية وتواصل لا ينقطع مع النخب الاجتماعية والسياسية لبلدان مختلفة من خلال الاعلام والمنتديات والمؤتمرات لمراكز البحوث، اضافة إلى المساعدات الاقتصادية والدعم الإنساني، وقد كان للنخب الاردنية مساحة واسعة من هذا الفضاء مما عزز إمكانية الاستثمار القطري لهذا العنصر الهام ، وهذا حصل فعلاً بحيث ساهمت تلك النخب بخلق رأي عام مطالب بإعادة العلاقات، وهذا ما تم بالفعل اذاً عين سفيرين كليهما فوق العادة وكليهما جاء من موقع متميز حتى ان السفير القطري واحد من افراد الاسرة الحاكمة، ما يشير الى تعويل البلدين على المستقبل بشكل كبير، فقطر تريد ان تعود الى دورها الإقليمي مبتدئة في فكفكة الحلقة التي ضُيقت عليها بفعل المقاطعة الخليجية والتي أنتجتها الاًزمة في العام ٢٠١٧م بين قطر ودوّل الخليج ومصر، والتي أدخلت المنطقة في لعبة محاور معقدة كان لها تأثير سلبي على جميع اطرافها، لذا فتعزيز العلاقة مع الأردن يزيد من فرص قطر اختراق ولو جزئي تستطيع من خلاله القول ان علاقاتها بدأت بالتعافي وإن ببطء.

لكن علينا التمهل قليلاً في التكهنات المتفائلة فقد يفسر هذا التقارب على انه موجه ضد دول بعينها وانه خطوة لتغيير طبيعة التحالفات والتموضعات بالنسبة للأردن بالدرجة الاولى، والذي تربطه علاقات متميزة مع دول الخليج الاخرى وان شهدت بعض الفتور في الآونة الاخيرة لكن ليس للدرجة التي تجعل الاْردن يصطف في مواجهتها، وهو الذي وضع استراتيجية للموازنة بين علاقاته العربية، معتمداً على نماذج تعتبر الكويت رائدة فيها مع الفارق في التحديات التي تواجهه كلا البلدين (…)

رغم كل المخاوف السابقة قد تحمل الزيارة فرصة نادرة للبدء في مصالحة جادة بين دول الخليج قاطبةً، بعد ان طالت الخلافات اكثر مما ينبغي، وشملت نتائجها ضياع فرص عديدة وكبيرة كان من الممكن ان تجنب دول الخليج العربي الانقسامات التي كان لها أثر سيئ في تزايد التهديدات والاستغلال لتلك الدول من قبل العديد من الاطراف الإقليمية والدولية، والسؤال الأساسي هل لدى الاردن الاستعداد والرغبة والجلد للقيام بمثل هكذا دور؟ اكاد اجزم بأنه على الاْردن ان يوجد كل تلك العناصر للبدء في مصالحة بينية سيكون لها أثر ايجابي هائل على امن الاردن واستقراره، فمستقبله مرهون باستعادة دوره على اسس ديناميكية اكثر من السابق، فالمعطيات تغيرت تماماً عما كانت وفرص القياس على سياسات سابقة أسعفت البلد وجنبتها ويلات كثيرة لم تعد مفيدة وذات جدوى، مما يحتم تبني نمط من التفكير السياسي يتعامل مع الاحتياجات الاستراتيجية وفق اللحظة الراهنة وبقراءة متحللة من اي ايديولوجية قد تضع الدور في إطار واحد مغلق غير قابل للتمحور وفق موازين قوى شديدة التعقيد، لذلك ربما يعول على هذه الزيارة لبداية قد تطلق مصالحة يكون لها نتائج مهمة، ربما هذا ما يأمله كلٌ منا.

* محلل سياسي

قد يعجبك ايضا