عبدالسلام المشيطي يكتب….. لماذا هُزم ترامب؟

594

 

المرفأ….الرئيس دونالد ترامب عمليًّا قدَّم للولايات المتحدة الأمريكية الكثير، وعالج العديد من الأخطاء السياسية والاقتصادية التي وقع بها سلفه أوباما، ألا أنه لم يحسن الظهور “بكاريزما الرئيس” المقبولة شعبيًّا، ولم يحسن الحديث والتعامل مع مختلف وسائل الإعلام.

وبغض النظر عن الأسباب التي ادعى فيها الرئيس ترامب خسارته للانتخابات الأمريكية أمام منافسه الديمقراطي جون بايدن، حين يقول ذات مرة إن الانتخابات مزورة، وإن حرية الأمريكيين قد سُرقت ونُهبت، وتارة أخرى يقول إن الديمقراطيين أخرجوا أمواتًا للتصويت، وغيرها من الادعاءات التي لن تغني عن اعترافه بالهزيمة، وتسليمه بالأمر الواقع.. فلتكن نظرتنا لأسباب هزيمة الرئيس ترامب من زاوية مختلفة، وأسباب أخرى أكثر منطقية.. شيء منها يتعلق بشخصية وكاريزما الرئيس “البرجوازية” التي ظهر بها ترامب، ورُفضت من قِبل كثيرين من الأمريكان وغيرهم، سواء مؤيديه أو حتى معارضيه. وكذلك لغة الخطاب التي استخدمها ترامب إبان توليه الرئاسة، التي وُصفت بأنها “لغة فظة” لدى بعض المحللين في علم السياسة والاجتماع، فضلاً عن تعامله السيئ مع وسائل الإعلام، حين أطلقت عليه بعضها لقب “المهرج” في العديد من زوايا كُتّابها أو محلليها “The clown”.

بدا لنا في أول أيام تنصيبه رئيسًا لأقوى دولة في العالم أن الرئيس ترامب لم يتخلَّ عن شخصية رجل الأعمال الذي يدير شركته الخاصة، التي يتأمر فيها على العاملين لديه. هذه الكاريزما الصاخبة التي ظهر بها ترامب أوجدت منه شخصًا مرفوضًا على المستوى الإعلامي. فلك أن تشاهد كيف يتعامل مع رؤساء وزعماء دول لها ثقلها ووزنها في المجتمع الدولي بطريقة لا تخلو من التهكم والاستعلاء. هذه اللغة لم يسبق أن تعامل بها رئيس أمريكي من قبل، سواء كان ديمقراطيًّا أو جمهوريًّا. وأحيانًا يستعمل لغة الوعيد والتهديد مع شخصيات سياسية أو اقتصادية كما صنع مع شركة “هواوي”. هذه اللغة الفظة صنعت منه شخصية جدلية في وسائل الإعلام، وأوجدت رفضًا من الآخرين الذين باتوا يعدون تلك الأيام التي يخرج منها من البيت الأبيض للانتقام منه؛ إذ كان يظن أن هذه اللغة الفظة الممزوجة بالقوة ستجعل منه الرئيس الخالد في عقول الشعب الأمريكي. هذه الطريقة من التفكير سيطرت على عقليته حتى أنه لم يكن يتوقع أنه سيخرج من البيت الأبيض بهذه الطريقة.

العلاقة السيئة بينه وبين مختلف وسائل الإعلام هي علاقة متلاصقة بشخصية الرئيس؛ فكان أحيانًا يتهم بعض الصحف بالجنون، والصحفيين وكبار الإعلاميين بالمرتشين والكاذبين. تجده من بحث عن ذلك العداء، بغض النظر عن سيطرة الحزب الديمقراطي على العديد من وسائل الإعلام المهمة في أمريكا ومؤيديهم خارج أمريكا، التي أسهمت كثيرًا في إظهار الشخصية المضطربة لرئيس كان يحلم بأن يفوز بالرئاسة مرة أخرى. كذلك هو لم يُحسن التعامل مع المايك وأمام الكاميرا حين يتحدث من خلالهما بنبرة المستعلي. ومن هنا بدأت خسارته الحقيقية، معركة المايك والكام، وهي المعركة الأهم والأقوى، التي تحرك العالم وليس فقط أمريكا.

هتلر عندما أراد أن يُحسن من صورته الإعلامية في أوروبا استعان بالداهية “غوبلز” الذي أقنع المجتمعات الأوروبية في بعض الأحيان بأن ما يصنعه الزعيم النازي هتلر من قتل وتدمير كان مبررًا. فكم هي كمية الأفلام التي أُنتجت في عهده لتعزيز مفهوم “الموت الرحيم”، بمعني أنه ليس كل من يقوم بالقتل والتدمير وحشيًّا. وهو استعان بصناعة السينما والإذاعة والتلفزيون، وهي الأدوات المتاحة والمسيطرة حينها على عقول العالم.

جدلية العلاقة بين الإعلام والسياسة ما زالت قائمة.. فحين تعلن تويتر وفيس بوك ويوتيوب إغلاق منصات الرئيس ترامب هي من أعلنت تحجيم دوره، وإسكات صوته، ووصوله لجمهوره.. فمن يعتقد سابقًا أن السياسي هو من يقود العالم عليه أن يراجع حساباته. الآن أصبح الإعلام هو المحرك الحقيقي، ومن يقوم بصناعة السياسي والقائد، ويُظهره بالمظهر الذي يريد، سواء كان سياسيًّا ناجحًا أو سياسيًّا فاشلاً.

قد يعجبك ايضا